إعلام اللغة ولسانُ كياننا الحضاري

بقلم: د. محمد أمين توفيق

قلت للناقد الإعلامي: لقد حضرت من الندوات الكثير خلال العام المنقضي، فهلا حدثتني عن ابرز هذه الندوات؟

قال وقد تهللت اسارير وجهه: انها ندوة كانت بمثابة الختام المسك للعام، وشهدت تضافرا للجهود، ربما لأول مرة، بين اساتذة اللغة العربية وفصحائها والمعنيين بها من جهة، وبين الاعلاميين من جهة اخرى.. ففي رحاب جامعة القاهرة، انعقد المؤتمر الأول لعلم اللغة الذي نظمته كلية دار العلوم ليبحث موضوعا من مواضيع الساعة الفكرية والثقافية والأدبية ألا وهو: اللغة العربية في وسائل الإعلام .. وقد استقطب هذا المؤتمر مشاركين فيه من اكثر من الدولة المضيفة مصر، اي من عدد من الدول العربية والخليجية.. وكلهم اغنى أبحاث المؤتمر بخبرته الإعلامية واللغوية.

قلت: لقد جاء هذا المؤتمر في حينه بعد إذ شهدت الساحة الإعلامية عموما، والفضائية منها خصوصا، تفشى استخدام اللهجات المحلية الى حدّ قد يُوحي بأن هذا من باب الفخر باللهجة هذه أو تلك والانتماء الى الحدود الضيقة لهذا البلد او ذاك!.

قال مُؤمّنا على كلامي ومكملا له: وكأنما محيط اللغة العربية الواسع لا يكفي.. أو كأن لغتنا قصرت عن أن تعبر عن معاني الحضارة الحديثة، او انها ليست ندا للعامية في حوارنا اليومي، مع ان العبارات العامية ليست إلا من سقط متاع الفصحى.. وهي بعدم تقيدها بالانضباط النحوي والصرفي لا تصلح لحمل عبء مسؤولية فكرنا العربي والاسلامي، واجناسنا الادبية الراقية من رواية وأقصوصة ومسرحية وتمثيلية مستوحاة من نص ادبي.. ومن عجب ان الصحف والمجلات والكتب والنشرات العلمية والخبرية والحوليات والدوريات تكاد تصبح الاستثناء من بين الوسائل الثقافية والاعلامية في استدامتها لاستخدام الفصحى بينما تجد الفيلم والتمثيلية والبرامج الحوارية وبعض الاجناس الأدبية وبعض مناهج تدريس اللغة في جامعات اجنبية تعتمد اللهجات العامية!!.

قلت: ازدواجية اللغة في عالمنا العربي مشكلة المشاكل.. فكيف بالجامعات الاجنبية التي تزيد الطين بلة، اذ هي تمزق لغتنا اربا وتجعل مناهجها قائمة على تدريس لهجات البلاد العربية.. فكأنك امام اثنتين وعشرين لغة او اكثر وليس امام لغة واحدة هي لغة القرآن الكريم والفصاحة!.

قال: لقد لاحظت هذا عندما كنت اتولى تدريس العربية وآدابها في اكثر من جامعة غربية، فأنت تجد الفصول الدراسية تفصل على مقاس ظروف طلاب الدراسة، فإن كان هؤلاء ممن سيعملون في هذا البلد العربي او ذاك، اوجدت لهم الجامعة من يحسن فقط عامية ذلك البلد.. ويقال بعد ذلك في نشرة تلك الجامعة ان هذا فصل اللغة العربية!.

وعلى هذا فإن هذا المؤتمر كان فرصة لكي يتلمس المشاركون فيه العلل ويستنبطون في توصياتهم ما يرونه لها من علاج.

قلت: لقد شوقتني الى معرفة أهم هذه التوصيات.

قال: لقد دعا المؤتمر وسائل الاعلام الى ان تتمسك بالفصحى رمزا لهويتنا وثقافتنا العربية والاسلامية، والى ضرورة الاعداد اللغوي للاعلاميين ليكونوا قادرين على التواصل من الداخل والخارج وعلى اساس قاعدة المناسبة لكل خطاب.. او مقام ومجال.. كما طلب من الاعلاميين واللغويين القيام بدراسات وابحاث للكشف عن الآثار السلبية التي قد تلحق بلغتنا الاعلامية العربية بسبب العولمة.. ومحاولات طمس ثقافتنا الاسلامية تحت تعلات الخصوصية الثقافية او الجغرافية.. وغيرها، كما طالب المؤتمر بالتصدي للاعلانات بالعامية والتخفيف منها..

قلت: ألاحظ الربط بين اللغة والمجتمع.. فأثر الاعلانات كبير وخطير في شيوع لهجات عامية وتنشئة الصغار عليها.

قال: هذا صحيح.. فاللغة تعبر عن ثقافة المجتمع وفكره ودوره الحضاري.. ومن حسنات هذا المؤتمر انه ربط بين الجامعة ومعاهد تعليم اللغة العربية واللغويين فيها وبين متخصصي وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وعلى حد تعبير مقرر المؤتمر ورئيس قسم علم اللغة، وهو الدرعمي الدكتور محمد حسن عبدالعزيز فإن المؤتمر كان بمثابة همزة الوصل بين الجانبين خدمة للاعلام وللغة على حد سواء.. وهو بذلك قد ارسى دعائم التعاون بين اللغويين والاعلاميين.

قلت: لا ريب ان هذا التعاون سوف يأخذ على عاتقه وضع التطبيقات اللغوية الفصيحة موضع التنفيذ في كل المجالات الاعلامية..

قال: تماما.. فالفصحى هي وحدها القادرة على التعبير عن هويتنا، وعلى حمل تراثنا وفكرنا.. كما ان هذا التعاون سوف يتصدى للاعلام الغربي الذي يتسلل بمصطلحاته الغريبة عنا الينا.. ومن ذلك مثلا مصطلحا الأصولية و الارهاب اللذين وضعا في الغرب واللذان يعبر الأول منهما عن التمسك بتعاليم رهبانية مبتدعة ، ولا علاقة له بمن يتبع كتاب الله وسنة رسوله ويعض عليهما بالنواجذ، ويعبر ثانيهما عن سلوك عدواني لا يتسم به اتباع ديننا الحنيف، وهو يسبب لبسا في الأفهام مع الفعل العربي يرهب الذي استخدمه القرآن الكريم عند الدفاع عن العقيدة، والكيان الاسلامي ترهبون به عدو الله وعدوكم.. ، وفي هذه التوصية بالطبع دعوة الى توخي الاعلاميين الحذر من الانزلاق وراء ترديد مثل هذين المصطلحين اللذين يترددان في الكتابات ونشرات الاخبار الغربية، وغيرهما.

قلت: اذن فالمؤتمر اللغوي الأول هذا قد ركز على أثر الاعلام في اللغة، وتأثيرها هي فيه.

قال: نعم.. فاللغة التي نريدها هي فصحى أبدعها الأدب والعلم، واختارتها الصحافة ولغة الكتب وانتقت منها وسائلنا الاعلامية السمعية والبصرية، وهي لغة المرونة والمناسبة.. ونحت الألفاظ الجديدة التي تواكب المعارف والتقنيات الحديثة فبدلا من CD او Compact Disk لماذا لا نقول قرص او قرص مضغوط ، وما العيب في الاستعانة باللفظ العربي بدلا من اللاتيني او الغربي في علوم الطب والهندسة والفنون، وسائر المعارف.. والى متى تسمى الشركات التجارية بأسماء تنتهي بمقاطع اجنبية مثل كو التي ترمز الى مصطلح الشراكة الأوروبي CQ..؟ ان هذا الذي رويته لك هو غيض من فيض ما قدمه ذلك المؤتمر القاهري المهم عن فصحانا واعلامنا.. وفي لقائنا المقبل.. مزيد ان شاء الله.

آخر العمود: ليت الميثاق الاعلامي في عالمنا العربي ينص على ضرورة احترام الحرف العربي بدلا من جعله يعبر عن مجتمعات اجنبية من خلال ما يسمى بالدبلجة لمسلسلات تعرضها فضائيات عربية.. وهي مسلسلات غير جديرة بأن تشاهدها أسرنا ذات التقاليد المرعية! ولا ننسى يا سادة ان هذا الحرف نفسه قد شرفه الله وحده، دون غيره من لغات العالم، بنزول القرآن الكريم به بلسان عربي مبين .